
دعاوه فى الاعتراف
«1» اللَّهُمَّ إِنَّهُ يَحْجُبُنِي عَنْ مَسْأَلَتِكَ خِلَالٌ ثَلَاثٌ ، و تَحْدُونِي عَلَيْهَا خَلَّةٌ وَاحِدَةٌ «2» يَحْجُبُنِي أَمْرٌ أَمَرْتَ به فَأَبْطَأْتُ عَنْهُ ، و نَهْيٌ نَهَيْتَنِي عَنْهُ فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ، و نِعْمَةٌ أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ فَقَصَّرْتُ فِي شُکْرِهَا . «3» و يَحْدُونِي عَلَى مَسْأَلَتِكَ تَفَضُّلُكَ عَلَى من أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إِلَيْكَ ، و وَفَدَ بِحُسْنِ ظَنِّهِ إِلَيْكَ ، إِذْ جَمِيعُ إِحْسَانِكَ تَفَضُّلٌ ، و إِذْ كُلُّ نِعَمِكَ ابْتِدَاءٌ «4» فَهَا أَنَا ذَا ، يا إِلَهِي ، وَاقِفٌ بِبَابِ عِزِّكَ وُقُوفَ الْمُسْتَسْلِمِ الذَّلِيلِ ، و سَائِلُكَ عَلَى الْحَيَاءِ مِنِّي سُؤَالَ الْبَائِسِ الْمُعيِلِ «5» مُقِرٌّ لَكَ بِأَنِّي لَمْ أَسْتَسْلِمْ وَقْتَ إِحْسَانِكَ إِلَّا بِالْإِقْلَاعِ عَنْ عِصْيَانِكَ ، و لَمْ أَخْلُ فِي الْحَالَاتِ كُلِّهَا من امْتِنَانِكَ . «6» فَهَلْ يَنْفَعُنِي ، يا إِلَهِي ، إِقْرَارِي عِنْدَكَ بِسُوءِ ما اكْتَسَبْتُ و هَلْ يُنْجِينِي مِنْكَ اعْتِرَافِي لَكَ بِقَبِيحِ ما ارْتَكَبْتُ أَمْ أَوْجَبْتَ لِي فِي مَقَامِي هَذَا سُخْطَكَ أَمْ لَزِمَنِي فِي وَقْتِ دُعَايَ مَقْتُکَ . «7» سُبْحَانَكَ ، لا أَيْأَسُ مِنْكَ و قَدْ فَتَحْتَ لِي بَابَ التَّوْبَةِ إِلَيْكَ ، بَلْ أَقُولُ مَقَالَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ الظَّالِمِ لِنَفْسِهِ الْمُسْتَخِفِّ بِحُرْمَةِ رَبِّهِ . «8» الَّذِي عَظُمَتْ ذُنُوبُهُ فَجَلَّتْ ، و أَدْبَرَتْ أَيَّامُهُ فَوَلَّتْ حَتَّى إِذَا رَأَى مُدَّةَ الْعَمَلِ قَدِ انْقَضَتْ و غَايَةَ الْعُمُرِ قَدِ انْتَهَتْ ، و أَيْقَنَ أَنَّهُ لا مَحِيصَ لَهُ مِنْكَ ، و لا مَهْرَبَ لَهُ عَنْكَ ، تَلَقَّاكَ بِالْإِنَابَةِ ، و أَخْلَصَ لَكَ التَّوْبَةَ ، فَقَامَ إِلَيْكَ بِقَلْبٍ طَاهِرٍ نَقِيٍّ ، ثُمَّ دَعَاكَ بِصَوْتٍ حَائِلٍ خَفِيٍّ . «9» قَدْ تَطَأْطَأَ لَكَ فَانْحَنَى ، و نَكَّسَ رَأْسَهُ فَانْثَنَى ، قَدْ أَرْعَشَتْ خَشْيَتُهُ رِجْلَيْهِ ، و غَرَّقَتْ دُمُوعُهُ خَدَّيْهِ ، يَدْعُوكَ بِيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، و يا أَرْحَمَ من انْتَابَهُ الْمُسْتَرْحِمُونَ ، و يا أَعْطَفَ من أَطَافَ به الْمُسْتَغْفِرُونَ ، و يا من عَفْوُهُ أَكْثَرُ من نَقِمَتِهِ ، و يا من رِضَاهُ أَوْفَرُ من سَخَطِهِ . «10» و يا من تَحَمَّدَ إِلَى خَلْقِهِ بِحُسْنِ التَّجَاوُزِ ، و يا من عَوَّدَ عِبَادَهُ قَبُولَ الْإِنَابَةِ ، و يا من اسْتَصْلَحَ فَاسِدَهُمْ بِالتَّوْبَةِ و يا من رَضِيَ من فِعْلِهِمْ بِالْيَسِيرِ ، و يا من كَافَى قَلِيلَهُمْ بِالْكَثِيرِ ، و يا من ضَمِنَ لَهُمْ إِجَابَةَ الدُّعَاءِ ، و يا من وَعَدَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ بِتَفَضُّلِهِ حُسْنَ الْجَزَاءِ . «11» ما أَنَا بِأَعْصَى من عَصَاكَ فَغَفَرْتَ لَهُ ، و ما أَنَا بِأَلْوَمِ من اعْتَذَرَ إِلَيْكَ فَقَبِلْتَ مِنْهُ ، و ما أَنَا بِأَظْلَمِ من تَابَ إِلَيْكَ فَعُدْتَ عَلَيْهِ . «12» أَتُوبُ إِلَيْكَ فِي مَقَامِي هَذَا تَوْبَةَ نَادِمٍ عَلَى ما فَرَطَ مِنْهُ ، مُشْفِقٍ مِمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ ، خَالِصِ الْحَيَاءِ مِمَّا وَقَعَ فيِهِ . «13» عَالِمٍ لَيْكَ، بِأَنَّ الْعَفْوَ عَنِ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ لا يَتَعَاظَمُكَ ، و أَنَّ التَّجَاوُزَ عَنِ الْإِثْمِ الْجَلِيلِ لا يَسْتَصْعِبُكَ ، و أَنَّ احْتِمالَ الْجِنَايَاتِ الْفَاحِشَةِ لا يَتَكَأَّدُكَ ، و أَنَّ أَحَبَّ عِبَادِكَ إِلَيْكَ من تَرَكَ الاِسْتِكْبَارَ عَلَيْکَ ، و جَانَبَ الْاِصْرَارَ ، و لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ . «14» و أَنَا أَبْرَأُ إِلَيْكَ من أَنْ أَسْتَكْبِرَ ، و أَعُوذُ بِكَ من أَنْ أُصِرَّ ، و أَسْتَغْفِرُكَ لِمَا قَصَّرْتُ فِيهِ ، و أَسْتَعِينُ بِكَ عَلَى ما عَجَزْتُ عَنْهُ . «15» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ ، و هَبْ لِي ما يَجِبُ عَلَيَّ لَكَ ، و عَافِنِي مِمَّا أَسْتَوْجِبُهُ مِنْكَ ، و أَجِرْنِي مِمَّا يَخَافُهُ أَهْلُ الْإِسَاءَةِ ، فَإِنَّكَ مَلِي ءٌ بِالْعَفْوِ ، مَرْجُوٌّ لِلْمَغْفِرَةِ ، مَعْرُوفٌ بِالتَّجَاوُزِ ، لَيْسَ لِحَاجَتِي مَطْلَبٌ سِوَاكَ ، و لا لِذَنْبِي غَافِرٌ غَيْرُكَ ، حَاشَاكَ «16» و لا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا إِيَّاكَ ، إِنَّكَ أَهْلُ التَّقْوَى و أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آل مُحَمَّدٍ ، و اقْضِ حَاجَتِي ، و أَنْجِحْ طَلِبَتِي ، و اغْفِرْ ذَنْبِي ، و آمِنْ خَوْفَ نَفْسِي ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ ، و ذَلِكَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ
يحجبنى: يمنعنى.
خلال: جمع خله و هى الصفه و الخصله.
تحدونى: تبعثنى، و تحثنى.
اللهم انه يحجبنى عن مسالتك خلال ثلاث و تحدونى عليها خله واحده...
داب الشرفاء الكرام:
من عاده الشرفاء و اصحاب المقامات العاليه و النفوس الكبيره اذا لم تلب دعوه الداعى او تستجيب لندائه تخجل عن مقابلته و تابى ان تعود اليه لتطلب حاجه لها او لغيرها... فالحياء ياخذها و يتصور امامها موقفها من طلبات الطرف الاخر فلا تتقدم منه بامر... فكيف اذا تعدد الرفض و تكرر التمرد على الامر و النهى؟
و الامام يتصور هذه الحاله ليعلمنا من خلالها كيف نتوسل الى الله و نعود اليه و نقدم الاعتذار...
اللهم انه يحجبنى يمنعنى و يحبسنى عن مسالتك ان اتوجه اليك بالسئوال و الطلب بحاجتى و ما انا اريده خلال ثلاث انه ثالوث محرم قد ارتكبته يقف حاجزا بينى و بين مسالتى لك يا رب... انها الاثافى المقلقه و المزعجه التى لا استطيع ان اواجهك لاجلها يا رب بالمساله.
و لكن تحدونى عليها خله واحده و لكن يا رب بالرغم من الثلاث المانعه و التى تقف حاجزا دون مسالتك هناك واحده تخترق الجميع و تجتاز ببطء و هدوء و خجل و حياء تجعلنى اطلب مسالتى منك...
الابطاء: عدم الاسراع و هو التاخير.
اما اولى الثلاث التى تحجبنى يحجبنى امر امرت به... فابطات عنه انك امرتنى بالصلاه فتهاونت و امرتنى بالزكاه فبخلت و امرتنى بالصوم فافطرت و امرتنى بالجهاد فتخلفت و امرتنى بالمعروف فلم امتثل و امرتنى بمعونه الناس فابيت و امرتنى بالامانه فخنت و امرتنى بكتم السر فافشيت، و امرتنى باوامرك كلها و قد وصلت الى فابطات عن تنفيذها و تاخرت عن اقامتها.
و الخله الثانيه المانعه و نهى نهيتنى عنه فاسرعت اليه نهيتنى عن الظلم و قد اسرعت فى ظلم نفسى و ظلم الناس، و نهيتنى عن الغيبه و النميمه و قد اضحت شغلى و عملى و نهيتنى عن المنكر و قد فعلته و نهيتنى عن الاعتداء و قد اعتديت، و نهيتنى عن الايذاء للاخرين و قد آذيتهم و هكذا فى كل نواهيك.
و الخله الثالثه المانعه و نعمه انعمت بها على فقصرت فى شكرها و ما اكثر نعم الله و هل يحصيها الانسان؟؟! و ان تعدوا نعمه الله لا تحصوها...
انعمت على بالمال فبذرت و اسرفت و انعمت على بالصحه فعصيت و تمردت و انعمت على بالقوه فبطرت و طغيت و انعمت على بالجاه و المقام فظلمت و عن الحق عدلت و هكذا كل نعمه لم اود شكرها و لم اضعها موضعها.
انها ثلاث خلال تمنعنى من مسالتك و تحول بينى و بين طلبها منك و لكن التفت اليك و الى جودك و عطائك و مننك و فواضلك... التفت الى احسانك و كرمك فاعود اليك بمسالتى
الفضل: التطول و الاحسان.
و فد عليه: قدم عليه وورد.
و يحدونى يسرع بى على مسالتك تفضلك على من اقبل بوجهه اليك و ان اساء الادب معك و انصرف فيما مضى الى معصيتك و وفد يحسن ظنه اليك فان عودته اليك و هو يحمل حسن الظن بك و انك تتجاوز عنه و تصفح عن زلاته و تقبل عودته هذا يكفى للعوده اليك و يكون عنده مدخلا لاختراق الحجب الثلاث.
اذ جميع احسانك تفضل و اذ كل نعمك ابتداء فهو يعود اليك لانه لم يستحق نعمك و احسانك لعمله و طاعته و انما احسانك اليه فضل منك و عطاوك و نعمك عليه كانت بدون مقابل بل تبرعا و ابتداءا بدون استحقاق و هذا يكفى للعوده اليك.
البائس: الفقير.
المعيل: كثير العيال من الاهل و الولد.
و الان من هذه الخصله التى تفتح باب الدخول الى رحمه الله و رضاه و طلب ما عنده.
فها انا ذا... عبدك المذنب التائب يا الهى واقف بباب عزك فانت العزيز الذى لا يضام وقفت وقوف المستسلم الذليل الذى استسلم لك بكل جوارحه فلا يعارضك فيما تفعل فيه و لا ما تريد منه... ما تحب و تريد فانا على استعداد لقبوله نفسيا و قلبيا بما يحمله الذليل الذى لا يرفع طرفه اليك و لا يستطيع مواجهتك او مقابتلك و انى سائلك على الحياء منى سئوال البائس المعيل فانا مع حيائى منك و خجلى من مواجهتك اسالك سئوال الفقير المسكين الذى لا يملك شيئا و مع ذلك يطالبه اهله و عياله بحاجاتهم فانه يكون اشد حاجه و اكثر فاقه و الحاحا...
الاقلاع: اقلع عن الشى ء: كف عنه.
اخل: يخلو، فرغ.
امتنانك: جمع منه و هى النعمه.
مقر لك بانى لم استسلم وقت احسانك الا بالاقلاع عن عصيانك اعترف بانى لم استسلم لكن بدون معصيه او تمرد عليك بل عند احسانك فحسب كنت اقلع و امتنع عن عصيانك و لم يكن ذلك منى شان المستسلم لك على الدوام المطيع لاوامرك باستمرار...
و لم اخل فى الحالات كلها من امننانك عندما كنت نطفه فى الرحم كانت عنايتك تكلونى و تلاحقنى و عندما خرجت الى الحياه اعطفت على و الدى و خلقت رزقى فى ثدى امى و جعلت الناس يتحببون الى و يعطفون على و كذلك نعمك فى اصل وجودى و فى كل موجوداتى من تكوين جميل فى احسن تقويم الى تركيب بديع الى فكر و منطق و بيان و لسان و انف و شفتين فسبحانك لم تبق حاله من حالاتى الا و كانت نعمك تتبعنى و تلاحقنى و تكون معى...
وجب الشى ء: ثبت و لزم.
السخط: الغضب.
المقت: البغض.
فهل ينفعنى و يفيدنى و يقربنى منك و من رضاك يا الهى و خالقى و سيدى اقرارى عندك بسوء ما اكتسبت اذا كان الاعتراف امامك يا رب بما عملت و اكتسبت من الاعمال السيئه... غيبه الناس، ايذائهم، اهانتهم، التقصير فى حقوقهم الاهمال لبعض ما وجب على فقصرت فى ادائه... من صلاه خفيفه، و طهاره غير نظيفه و زكاه مشوبه بحب السمعه و الصيت و حج لم اود اركانه و هكذا يا الهى هل اقرارى ينفعنى و هل ينجينى منك اعترافى لك بقبيح ما ارتكبت و هل الوقوف بين يديك و الاقرار و الاعتراف امامك بما ارتكبته من القبيح و السوء و الاساءه هل ينجينى من غضبك و انتقامك و عذابك و هذا استعطاف و استرحام لعل الله ينظر الينا.
ام اوجبت لى فى مقامى هذا سخطك؟ ام لزمنى فى وقت دعائى مقتك ربما كان فى وقت الاقرار و الاعتراف يوجب السخط و الغضب و فى وقت الدعاء يوجب البغض و الكراهيه كما هو المتعارف فانت تقر امام الاخرين بالاساءه فيغضبون من اقرارك و يعدونه ذنبا جديدا و الله سبحانه ينزه عن ذلك و يجل... انه الذى يدعونا و ان كنا مدبرين و ينادينا و ان كنا بعيدين.
الحرمه: بالضم ما حرم التفريط به و وجب القيام به.
سبحانك تنزهت عن كل نقص لا ايئس منك و قد فتحت لى باب التوبه اليك انت سبحانك الذى قلت لنا: توبوا توبه نصوحا... فبعد فتح الباب لا باس من مناجاتك و طلب العفو منك و التردد على بابك و طلب احسانك... كيف يدخل الياس قلب انسان عرفك و عرف رحمتك و مقدار عطفك و حنانك.
بل اقول: مقال العبد الذليل الظالم لنفسه فانه بسوء عمله ظلم نفسه و اساء اليها و وقف امام مولاه موقف الذليل الذى لا يرفع طرفه.
المستخف بحرمه ربه فلم يحفظ ما حرمه الله عليه بل بادر الى ارتكاب المحارم و اكتساب الماثم فمثل هذا كيف يقف امام الله و كيف يواجهه انه العبد
جلت: كبرت و عظمه.
ولت: مضت و انقضت.
لا محيص: لا ملجا، لا مفر له.
الانابه: الرجوع و العوده.
حائل: متغير، ضعيف.
الذى عظمت ذنوبه فذنوبه كانت عظيمه بحيث جلت كبرت عن المغفره لانها ذنوب عن سابق عمد و اصرار و ليس عن قصور او جهل و ادبرت ايامه فولت ايام شبابه مضت و تقدم به العمر فلا يستطيع الترميم و الترقيع... كانت صحته عامره و كان ذا قوه و مال و شباب فتدهورت الصحه و ضعفت القوه و قل المال و ذبل الشباب و لم يعد ينتفع بشى ء من ذلك فولت كلها و ذهبت و لا عوده لها.
حتى اذا راى مده العمل قد انقضت فالوقت الذى كان يستطيع فيه العمل قد انقضى و ايام الشباب مضت... فلم يغتنم شبابه قبل هرمه و لا غناه قبل فقره و لا عزه قبل ذله... انه كان يستطيع الحج لوفره المال و الصحه و لكنه سوف حتى عجز ماليا او بدنيا... كان يستطيع ان يودى الحق الشرعى من امواله و لكنه بخل و سوف حتى افلس و عجز... و هكذا بقى يسوف حتى انقضى زمن العمل و غايه العمر قد انتهت فقد استوفى ايامه و بلغ منتهى المده المكتوبه له من الحياه و لم يبق بينه و بين الاخره الا بضع خطوات ليصل عندها اما الى الجنه او الى النار و بعد ان وصل به الامر الى هذا ادرك.
و ايقن انه لا محيص له منك و لا مهرب له عنك فالى اين الملجا و الى اين المفر و المهرب و كل انسان عائد اليك و راجع الى حكمك انا لله و انا اليه راجعون فان الانسان يفر من الله اليه و كيف يكون فرار من غرته فى يد الله و بعينه و تحت رعايته و لا يخرج عن سلطانه و حكمه... اقرار صريح انه لا ملجا الا الى الله و لا مفر الا اليه و من عرف ذلك عاد اليه عوده صادقه مومنه مطمئنه يعمل بامره و ينتهى عن نواهيه... بعد ان عرف ذلك كله.
تلقاك بالانابه عاد اليك تائبا فانت دعوته الى التوبه و هو الان قد استجاب لك و عاد الى رحابك و اخلص لك التوبه فتوبته صافيه لا عوده بعدها الى ذنب لانه ايقن بالعوده اليك و الرجوع الى حكمك.
فقام اليك يتلقاك بقلب طاهر نقى فقد طهر قلبه من الشرك و النفاق و الانحراف و الغش و نقاه من كل سوء او دخيله... انه يا رب اراد ان يواجهك بالقلب السليم و يقدم ذلك قبل ندائه.
ثم دعاك بصوت حائل خفى بصوت متهدج مترجرج فيه الاسى و الحزن و الفزع و الخوف لا يكاد يخرج من الخفاء.
نكس الراس: خفضه و تطاطا.
انثنى: انعطف و انحنى.
ارعشت: من رعش اى ارتعد.
انتابه: اتاه مره بعد اخرى.
عطف: اشفق و تحنن.
اطاف به: استدار بجوانبه.
نقمته: عقوبته.
قد تطاطا لك فانحنى خضع لك و انحنى اجلالا لمقامك و اعترافا بعظمتك و خوفا من ذنبه و حياء و خجلا من فعله...
و نكس راسه فانثنى طاطا براسه الى الارض فانحنى و لا يفعل ذلك الا مخطى ء او لا يفعل الا امام من بيده الامور و هو الله تعالى.
قد ارعشت خشيته رجليه فهو يضطرب و تهتز رجلاه و ترتجفان من الخوف و الفزع من الحساب... و كيف يكون حال المسى ء اذا وقف للحساب... انه يرتعد و تصطك فرائصه و يكون التعبير الخارجى ترجمه عما يعانيه من الفزع و الهلع الداخلى...
و غرقت دموعه خديه فقد فاضت عيناه من شده الالم... انه يتصور ما هو فيه و ما هو قادم عليه... يتصور مقامه... و مستقبله و ايامه القادمه... فتقفز الدموع من عينيه و تحكى عن بكاء الداخل و ندمه...
يدعوك بيا ارحم الراحمين فبالرحمه منك ينجو العاصون و يفوز المخطئون... بالرحمه تنفتح الابواب المسدوده و تهتك الاستار المنصوبه و ترتفع الحجب التى كانت تغطى بصيره هذا الانسان و بصره... الرحمه الحنونه... النداء الطيب... ما ناديت الله بهذا الا و شعرت بنداوه و طرواه هذا النداء فى قلبى... يا ارحم الراحمين به تلين الجلود و تخشع القلوب...
و يا ارحم من انتابه المسترحمون يا ارحم من قصده طالبو الرحمه فى كل مره فاذا تكرر طلب الرحمه كانت رحمته تاتى بعد كل استرحام...
و يا اعطف من اطاف به المستغفرون فالمستغفرون الذين يعودون اليه و يطوفون حوله يجدونه عطوفا عليهم رحيما بهم لكن ينبغى ان يكون الاستغفار على حقيقته خارجا من القلب و الضمير فيه لوعه و حرقه و ليس لفظا على اللسان يردده المستغفرون و لذا يصحح الامام على و يوضح حقيقه الاستغفار عندما قال احدهم بحضرته استغفر الله.
قال الامام: ثكلتك امك، اتدرى ما الاستغفار؟
الاستغفار درجه العليين و هو اسم واقع على سته معان:
اولها: الندم على ما مضى.
و الثانى: العزم على ترك العود اليه ابدا.
و الثالث: ان تودى الى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله املس ليس عليك تبعه.
و الرابع: ان تعمد الى كل فريضه ضيعتها فتودى حقها.
و الخامس: ان تعمد الى اللحم الذى نبت على السحت فتذيبه بالاحزان حتى تلصق الجلد بالعظم و ينشا بينهما لحم جديد.
و السادس: ان تذيق الجسد الم الطاعه كما اذقته حلاوه المعصيه فعند ذلك تقول: استغفر الله...
و يا من عفوه اكثر من نقمته فهو الغفور انه يعفو عن المذنبين و يتجاوز عن سيئاتهم و عفوه اكثر من عقابه بل فى الحقيقه لا يحب عقاب عبده و لذا رسم له طريق الخلاص و وضح له سبل الهدايه و اخذه الى ما فيه سعادته و كرامته... و من بين لك طريق الجنه و هداك اليها و قال لك: ما عليك الا ان تحفظ الخط و تكمل المسير حتى تدخلها من قال لك ذلك فانه لا يحب عذابك و لا يريد عقابك...
و يا من رضاه اوفر من سخطه فانك بمجرد ان تعود اليه يعود اليك بالرحمه و اذا اسات لم يعجل لك العقوبه بل يمهلك لعلك ترجع و تعود... لعلك تندم على خطيئتك و تعود عن هفوتك...
عدت عليه: رجعت عليه.
و يا من تحمد الى خلقه بحسن التجاوز فمن تجاوزه عن المسيئين و عدم اخذه لهم استحق ان يحمد و يشكر لان من حق المجرم العقاب و من حق المذنب العذاب.
و يا من عود عباده قبول الانابه فانه سبحانه عود الناس ان يعودوا اليه مره بعد اخرى... يعصى العبد اليوم فيعود اليه فيعود الله عليه و يعصى غدا و بعد غد و هكذا فلقبوله عودتهم عودهم الرجوع اليه كلما عصوا و اذنبوا...
و يا من استصلح فاسدهم بالتوبه و هذه رحمه الله الواسعه التى تجلت فى قبول التوبه عن المذنبين... انه سبحانه لو اوصد هذا الباب و قال: لا توبه للعصاه لفسد الخلق و انتشرت الرذيله و ساد التهتك لان من ايقن ان مصيره الى النار و لا توبه له استرسل فى الرذيله و لا يرده عنها شى ء... اما اذا انفتحت امامه ابواب التوبه و ناداه الله بقوله: توبوا الى الله... و هو يقبل التوبه... فان مجال الاصلاح متوفر لهذا الانسان... من عرف ان خطيئته يمكن ان تمحى و فساده يمكن ان يستصلح يعود الى الترميم و الترقيع فيصلح نفسه و يعود الى ربه، فالتوبه تصلح المفسد...
و يا من رضى من فعلهم باليسير فهو يرضى ما تيسر من صلاتهم و صيامهم و حجهم و واجباتهم... يرضى بسبعه عشر ركعه يوديها المصلى فى اليوم و الليله و يرضى بالصلاه جالسا ان عجز المصلى عن الصلاه قائما و يرضى بالتيمم بدلا عن الوضوء اذا كان لعذر... و يرضى بسقوط الحج اذا تعذر و لم يقدر لعدم الاستطاعه او لبعض الاسباب الاخرى...
و يا من كافى قليلهم بالكثير فعلى قليل العمل كثير الاجر و الثواب و الانسان لو حسب جزاءه و ما اعده الله له من جنه عرضها كعرض السموات و الارض على هذه الواجبات القليله لراى كيف يكون عطاء الله و مكافاته على هذه الواجبات... انها اعمال قليله نقول ان عليها الجزاء و لو لم يتفضل الله علينا بتسميتها بذلك لكانت فى الحقيقه تفضلا و منحه و عطاء مجانيا دون استحقاق...
و يا من ضمن لهم اجابه الدعاء فهو القائل ادعونى استجب لكم فعلى العبد الدعاء و على الله الاجابه.
و يا من وعدهم على نفسه بتفضله حسن الجزاء انه تفضل منه اوعد العاملين بان يجزيهم باحسن الجزاء كما قال تعالى: للذين احسنوا الحسنى و زياده و قوله: و من يقترف حسنه نزد له فيها حسنا..
ثم يدخل الامام فى اسلوب الاسترحام بطريق آخر و انه ليس اول عاص يعفى عنه او اول من اعتذر فيقبل اعتذاره...
ما انا باعصى من عصاك فغفرت له فلست اشقى الناس بمعاصيك بل هناك عصاه كثيرون عادوا اليك بعد عصيانهم فغفرت ذنوبهم و انا واحد منهم فاغفرلى ذنوبى كما غفرت لمن كانت ذنوبه و معاصيه اكثر من ذنوبى و معاصى...
و ما انا بالوم من اعتذر اليك فقبلت منه فان هناك كثيرين يستحقون اللوم و العتاب اكثر منى فقبلت معذرتهم و رضيت اعتذارهم فانا استحق منك يا رب المعذره... استحق ان تقبل عذرى...
و ما انا باظلم من تاب اليك فعدت عليه فهناك ظالمون على مستوى كبير... منهم من ظلم نفسه و منهم من ظلم الاخرين فعندما تابوا اليك و عادوا نحوك عدت عليهم بالمغفره و التوبه و انا ظلمت و تعديت و لكن لا يبلغ ظلمى ما بلغه الكبار فى ظلمهم فاغفر لى كما غفرت لاولئك الظالمين... فظلمى صغير بالنسبه الى ظلمهم...
المشفق: الخائف.
اتوب اليك فى مقامى هذا الذى جرت فيه دموعه و انكسر قلبه و طلب منك العفو و الرضا اتوب اغليك توبه نادم على ما فرط منه فانا قد فرطت و تهاونت فعملت المعاصى و ارتكبت الاثام و قمت بالتعديات و لكن الان اتوب من كل ما تقدم منى و سبق من اعمالى و سيئاتى.
مشفق مما اجتمع عليه فهو خائف مما اجتمع عليه من المعاصى فان القلم يجمع و القليل يعود كثيرا و نحن لو حسبنا سيئاتنا فى كل يوم لجئنا على مدار السنه بالاف السيئات و لو جمعنا ذلك فى سنوات العمر لجئنا بملفات نعجز عن حملها... فمن نظر الى هذه السيئات اخافته و ازعجته و حسب لها الف حساب فهو عندما يتوب ينظر اليها فيخاف منها.
خالص الحياء مما وقع فيه فهو يخجل حق الخجل و يستحى من الوقوف بين يدى الله من جراء ما وقع فيه من المعاصى... كيف يواجه ربه و كيف يستطيع ان يقابله؟!... ان الحياء ياخذه و يلفه من جراء معاصيه و ما احاط به من الخطايا...
الاثم: الذنب.
الجنايات: الذنوب العظيمه.
الفحش: القبح.
لا يتكادك: لا يستصعب عليك.
جانب: باعد و ترك.
عالم بان العفو عن الذنب العظيم لا يتعاظمك فمهما كان الذنب عظيما فهو تحت قدرتك و لا يخرج عن ارادتك فانت سبحانك القائل: ان الله يغفر الذنوب جميعا.
و ان التجاوز عن الاثم الجليل لا يستصعبك انك سبحانك تتجاوز عن الذنوب مهما كانت كبيره فى ميزان الناس و صعبه عليهم، انك تمحوها بدون ان تواخذ اصحابها بها...
و ان احتمال الجنايات الفاحشه لا يتكادك لا يصعب عليك ان تتجاوز عن الذنوب الكبيره فانها لا تضرك و لا توثر عليك.
و ان احب عبادك اليك من ترك الاستكبار عليك فان المستكبر هو الذى تخدعه نفسه و تغريه بانه اعظم من ان يعاقب و اجل من ان يحاسب انه يرى نفسه فوق الدعاء... و اكبر من الاستدعاء و هذا اعظم ذنب و اكبر معصيه و على العكس من ذلك من اجتنب الاستكبار و اطاع الله و خضع فان من ترك الاستكبار عرف مكانه و حجمه و طبيعته فراح يتحرك فى الشوط المحدد له ضمن طاعه الله و رضوانه... و ان احب عبادك اليك من ترك الاستكبار عليك و جانب الاصرار لم يصر على المعاصى بل اجتنبها و ابتعد عنها و لزم الاستغفار بان داوم على الاستغفار و لازمه فلا ينفك عنه و لا يتخلى عن ترداده.
و انا ابرء اليك من ان استكبر عليك او عن عبادتك او عن شى ء امرت به و اعوذ بك من ان اصر على شى ء من ذنوبى او آثامى التى فعلتها بل اننى اتوب منها توبه نصوحا لا عوده بعدها الى الذنوب.
و استغفرك لما قصرت فيه من اعمال و افعال و اقوال، من واجبات تركتها او محرمات فعلتها او امور ارتكبتها و استعين بك على ما عجزت عنه فمنك الاعانه و منك المدد... انت الله فاعنى على ما اعجز عنه و ما لا اقدر ان اقوم به فالحول و القوه منك وحدك انت الذى تعطى و تمنع و ترفع.
وجب: ثبت و لزم.
الملى ء: الغنى.
اللهم صل على محمد و آله صلاه دائمه ناميه ترفع بها مقامهم و تزيد شرفهم و توجرنا بها وهب لى ما يجب على لك فان لك على واجبات استحققتها فى ذمتى فهبها لى و تصدق على بها فاننى بحاجه اليها و انت بغنى عنها.
و عافنى مما استوجبه منك اعفنى يا رب من كل قصاص استحققته بمخالفتى و وجب على بذنونبى فان عفوك ينفعنى و انت العفو ذو الرحمه.
و اجرنى مما يخافه اهل الاساءه فان اهل الاساءه يخافون ذنوبهم و يخافون المحاسبه عليها و انا منهم فاستجير بك و التجا اليك ان تعفو عنى و تجيرنى فانك ملى ء بالعفو فانت اهل العفو تعفو عن عبادك... انت مملوء بالعفو تعود على المذنبين بعفوك مرجو للمغفره و من رجاك لغفران ذنوبه ادرك رجاه و حصل على مناه و سترت عليه ذنوبه و لم تحاسبه عليها، معروف بالتجاوز عن المسيئين و المخطئين فمن شانك التجاوز عنهم.
ليس لحاجتى مطلب سواك فحاجتى لا يقضيها غيرك و لا يقدر عليها سواك، انها العتق من النار و دخول الجنه.
حاشاك تجل و ترتفع ان يكون غيرك قاضيا لها و انت الرب مالك ازمه الامور و بيدك المصير.
و لا اخاف على نفسى من احد لانهم مخلوقون مثلى لا يضرون و لا ينفعون الا باذنك و لذا لا اخاف الا اياك فانى اخافك وحدك و لا اخاف سواك اخاف منك ان تواخذنى بذنوبى و سيئات اعمالى...
انك اهل التقوى تستحق ان يتقى غضبك و يجتنب و اهل المغفره فمنك المغفره صل على محمد و آل محمد و اقض حاجتى التى توجهت بها اليك و هى العتق من النار و دخول الجنه، و انجح طلبتى فما اطلبه منك اجعله ناجحا منجزا تاما و اغفر ذنبى فانه عيب اخجل منه و بيدك ستره و العفو عنه و آمن خوف نفسى برحمه منك يرد لى روعى انك على كل شى ء قدير فقدرتك مطلقه لا حدود لها و ذلك عليك يسير فقضاء حاجتى تحت قدرتك و ميسوره لك آمين رب العالمين اللهم استجب لى دعائى فانت الله رب العالمين...